[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]مفاتيح سورة الجاثية .
أولاً:اسم السورة
ولهذه السورة من الأسماء ما يلي:
1- سورة الجاثية(1).
وذلك: لتضمن آيتها {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً...} [الآية 28]
بيان سبب تأخير البعث إلى يوم القيامة؛ لأجل اجتماع الأمم، محاكمة إلى الله تعالى.(2)
2- سورة الشريعة(2).
وذلك: من قوله تعالى {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ} [الآية 18]
والشريعة في هذه الآية ـ كما يقول موسى جار الله ـ هي:
سنة النبي صلى الله عليه وسلم، بنص قوله تعالى (جعلناك) حيث إن الجعل في عرف الكتاب الكريم:
هو التكوين، لا التشريع.(4)
3- سورة الدهر(5).
وذلك: من قوله تعالى { وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [الآية 24]
ثانياً : عدد آيات السورة و كلماتها و حروفها
عدد آياتها(6): (37) سبع وثلاثون آية.
وعدد كلماتها: (488) أربعمائة وثمان وثمانون كلمة.
وعدد حروفها: (2161) ألفان ومائة وواحد وستون حرفاً.
ثالثاً : ترتيب السورة فى المصحف و فى النزول
أ- في المصحف.. بعد: سورة "الدخان"، وقبل: سورة "الأحقاف".
ب- في النزول.. بعد: سورة "الدخان"، وقبل: سورة "الأحقاف".
رابعاً : سبب نزول السورة
لم نعثر على آثار تفيد سببا لنزولها كاملة
خامساً : مكية السورة و مدنيتها
هذه السورة: مكية، سوى هذه الآية(7):
{قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِما كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الآية 14]
فهي: مدنية
سادساً : فضل السورة
انظر: فضل سورة "الشورى".
حيث ينطبق ما قيل هناك على هذه السورة، سواءً بسواء.
سابعاً : صلة السورة بما قبلها
هي صلة وثيقة...
أبرز دلائلها: تعانق وتشابه أول الجاثية مع آخر الدخان، في الغاية.(7)
إقرأ قوله تعالى في آخر الدخان {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [الآية 58]
وأقرأ مباشرة في أول الجاثية {إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ} [الآيات 3 وما بعدها]
لا تلاحظ أنك انتقلت من موضوع لغيره.
وهذا: من ألوان الإعجاز.
ثامناً : هدف السورة
تهدف هذه السورة إلى ما يهدف إليه المكي من القرآن الكريم عامة.
فهي:
ترسخ أسس العقيدة الإسلامية.. من: التوحيد،والرسالة، والبعث.
وذلك عن طريق: إثبات دلائل القدرة والوحدانية، وأيضاً إثبات البعث والحساب, والجزاء.. على الخير خيراً، وعلى الشر بمثله.
تاسعاً : تقسيم آيات السورة موضوعيا
تتكون هذه السورة من: مقدمة، وقسمين، وخاتمة(
.
المقدمة.. عبارة عن آيتين فقط.
من الآية الأولى.. حتى نهاية الآية (2)
وفيها:
الحديث عن: نزول القرآن الكريم، وعزة الله تعالى وحكمته.
هذا..
ومن مظاهر عزته سبحانه: أنه كلف، وأنه يحاسب.
ومن مظاهر حكمته كذلك: أنه خلق الكون على هذا الكمال، وأنزل القرآن على مثل هذا الكمال.
ولذا.. فهو سبحانه جل جلاله: متصف بكمال العزة، ومتصف بكمال الحكمة.
والقسم الأول.. عبارة عن (18) آية
من الآية (3) حتى نهاية الآية (20)
وفيه:
عرض لبعض آيات الله تعالى في الكون.
إقامة الحجة على الكافرين بالله تعالى، الجاحدين للقرآن.
بيان بعض خصائص هذا القرآن الكريم.
وقد عمق هذا القسم: موضوع كون القرآن هدى، وذكر صفات من يهتدي به، وشروط هذه الهداية، كما بين طبيعة الذين لا يهتدون.
فطبيعة من لا يهتدون: آثمة، كاذبه، مستكبرة، باغية، جاهلة، متبعة للهوى.
وأما طبيعة من يهتدون: فمن خصائصها.. الإيمان، والعقل، والفكر، واليقين، والإتباع، والصدق، والطاعة، والإنصاف، والعلم.
والقسم الثاني.. عبارة عن (15)
من الآية (21) حتى نهاية الآية (35)
وفيه:
الموازنة بين أهل الإيمان والعمل الصالح، وبين أهل الإثم.
وذكر نتائج الإيمان، ونتائج الكفر، مع ذكر أسباب مواقف الكفر، والرد عليها.
وقد بين هذا القسم: عدم التساوي بين أهل الكفر وأهل الإيمان, في النتائج.
وأما الخاتمة: فهي عبارة عن آيتين فقط.
وهي الآية (36) والآية (37) وهي خاتمة السورة.
وفيها:
الحديث عن: عزة الله تعالى، وحكمته، وإتصافه بالكبرياء، واستحقاقه الحمد؛ مما يشعر بوجوب الإذعان لكبريائه، والتسبيح بحمده.
ونلاحظ: تعانق الخاتمة مع المقدمة الواضح.
عاشراً : أبرز موضوعات السورة
وخلاصة ما حوته هذه السورة الكريمة من الأغراض والمقاصد(9)
1- إقامة الأدلة على وجود الخالق سبحانه.
2- وعيد من كذب بآياته واستكبر عن سماعها.
3- طلب العفو من المؤمنين عن زلات الكافرين.
4- الإمتنان على بني إسرائيل بما آتاهم من النعم الروحية والمادية.
5- أمر رسوله ألا يطيع المشركين ولا يتبع أهواءهم.
6- التعجب من حال المشركين الذين أضلهم الله على علم.
7- إنكار المشركين للبعث.
8- ذكر أهوال العرض والحساب، وشهادة صحائف الأعمال على الإنسان.
9- حلول العذاب بالمشركين بعد أن تبين لهم قبائح أعمالهم.
10- ثناء المولى سبحانه على نفسه وإثبات الكبرياء والعظمة له.
حادى عشر : بعض الدروس المستفادة
1- عند قوله تعالى {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الآية 18]
يقول صاحب الظلال
وهكذا يتمحض الأمر: فإما شريعة الله، وإما أهواء الذين لا يعلمون، وليس هناك من فرض ثالث، ولا طريق وسط بين الشريعة المستقيمة، والأهواء المتقلبة.
وما يترك أحد شريعة الله، إلا ليحكم هواه؛ فكل ما عداها هوى يهفوا إليه الذين لا يعلمون.
والله سبحانه وتعالى: يحذر رسوله صلى الله عليه وسلم، أن يتبع أهواء الذين لا يعلمون.
فهم: لن يغنوا عنه من الله شيئاً.
وهم: يتولون بعضهم بعضاً.
وهم: لا يملكون أن يضروه شيئاً, حين يتولى بعضهم بعضاً؛ لأن الله هو مولاه {إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئًا وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} [الآية 19]
وإن هذه الآية، مع التي قبلها: لتُعيّن صاحب الدعوى وتحدده، وتغني في هذا عن كل قول وكل تعليق أو تفصيل.
إنها شريعة واحدة: هي التي تستحق هذا الوصف، وما عداها أهواء منبعها الجهل.
وعلى هذا...
فعلى صاحب الدعوة: أن يتبع الشريعة وحدها، ويدع الأهواء كلها.
وعليه: ألا ينحرف عن شيء من الشريعة إلى شيء من الأهواء.
فأصحاب هذه الأهواء: أعجز من أن يغنوا عنه من الله صاحب الشريعة. وهم إلْبٌ عليه: فبعضهم ولي بعض.
وهم: يتساندون ـ فيما بينهم ـ ضد صاحب الشريعة.
فلا يجوز: أن يأمل في بعضهم نصرة له، أو جنوحاً عن الهوى الذي يربط بينهم برباطه.
ولكنهم: أضعف من أن يؤذوه {وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ}.
وأين ولاية من ولاية...؟
وأين ضعاف جهال مهازيل، يتولى بعضهم بعضاً، من صاحب شريعة يتولاه الله {وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ}..؟
2- في قوله تعالى {هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمِ يُوقِنُونَ} [الآية 20]
بعد قوله تعالى {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئًا وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} [الآيتان 18، 19]
ما يفيد(9)
أ- أن من خصائص هذا القرآن: أنه بصائر للناس،
أي أنه: عيون لقلوبهم، يرون بها الأشياء على حقيقتها، وبأحجامها.
وفي ذلك: درس كبير للمسلم، ألا يرى شيئاً في الوجود إلا بعين القرآن. وإن الذي لا يرى الناس والأشياء والأمور وكل شيء بهذه العين: أعمى.
ولذلك نرى:
كثيرين من الناس: لا يرون الأمور السياسة بهذه العين..!!
وكثيرين من الناس: لا يرون الأمور الاقتصادية بهذه العين..!!
وهؤلاء ـ كلهم ـ عميان، على الحقيقة."
إن المسلم الحق: هو الذي لا يرى الأشياء كلها.. إلا بنور القرآن.
ب-أن هذه الشريعة، التي جعل الله تعالى محمداً صلى الله عليه وسلم وأمته عليها، والتي جاء بها القرآن: هدى ورحمة.
وفي ذلك: درس كبير للفرد، الذي يبحث عن الهداية, وينشد الرحمة لنفسه، وفي كل أحواله.
وكذلك: للجماعة، التي ترنوا إلى التوفيق في مساعيها، وأهدافها، والرحمة لنفسها وأفرادها وأمتها.
وثالثاً: للأمة التي تبغي التقدم والتفوق والفلاح والرقي في كل شئونها، مع تحقيق الرحمة والأمان والعدل والسلام لكل سكان الأرض.
ثانى عشر : مصادر المفاتيح و هوامش البحث
1- انظر: السخاوي /جمال القرآء 1/37
الفيروزابادي/ بصائر 1/426
الزركشي /البرهان (النوع 14)
الآلوسي /روح المعاني (تفسير الجاثية)
القاسمي /محاسن التأويل (تفسير الجاثية)
انظر: القاسمي /نفس المصدر
انظر: السخاوي، الفيروزابادي، الزركشي، الألوسي، القاسمي (مصادر سابقة)
4- انظر: موسى جار الله /ترتيب السور ص115
5- انظر: السيوطي/ الإتقان (النوع 17)
الآلوسي /روح المعاني (تفسير الجاثية)
6- انظر: مكي بن أبي طالب/ التبصرة ص327
السخاوي/ جمال القرآء 1/217
الفيروزابادي/ بصائر 1/426
النيتسابوري/ غرائب القرآن (تفسير الجاثية)
الآلوسي /روح المعاني (تفسير الجاثية)
محمد غوث /نثر المرجان 6/492
7- انظر: الآلوسي (تفسير الجاثية)
8- انظر: الشهيد/ سيد قطب (تفسير الجاثية)
9- انظر: سعيد حوي/ الأساس (تفسير الجاثية)
بقلم فضيلة الدكتور عبد الحي الفرماوي
رئيس قسم التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر
المصدر : موقع هدى الإسلام.