[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]مفاتيح سورة فصلت .
أولاً:اسم السورة
لهذه السورة من الأسماء ما يلي:
1- سورة فصلت.(1)
وذلك : إشارة إلى ما في قوله تعالى { كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ...} [الآية3]
من التفصيل والبيان لقوم يعلمون.(2)
2- حم السجدة(1).
وذلك: إشارة إلى ما في آياتها [الآيتان 37، 38]، من: الطاعة له بالسجود، الذي هو أقرب مقرب من الملك الديان، والتسبيح الذي هو المدخل الأول للإيمان(2).
3- سورة المصابيح(1).
وذلك: لقوله تعالى {..... وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا} [الآية 12]
ويذكر الآلوسي من أسمائها كذلك:
4- سورة الأقوات(3).
وذلك: لقوله تعالى فيها {... وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ} [الآية 12]
ثانياً : عدد آيات السورة و كلماتها و حروفها
عدد آياتها: (54) أربع وخمسون آية(4).
وعدد كلماتها: (794) سبعمائة وأربع وتسعون كلمة.
وعدد حروفها: (3350) ثلاثة آلاف وثلاثمائة وخمسون حرفاً
ثالثاً : ترتيب السورة فى المصحف و فى النزول
أ- في المصحف.. بعد: سورة "غافر"، وقبل: سورة "الشورى".
ب- في النزول.. بعد سورة "غافر"، وقبل: سورة "الشورى".
رابعاً : سبب نزول السورة
لم نعثر على آثار تفيد نزول السورة.
وإن كانت هناك آثار: لنزول بعض آياتها.
بَيْدَ أن هذا: ليس موضوعنا.
حيث إن ما نكشف عنه، هو: نزول السورة نفسها، لا بعض آياتها.
خامساً : مكية السورة و مدنيتها
هذه السورة: مكية باتفاق.
سادساً : فضل السورة
تدخل هذه السورة: ضمن حديث وائلة بن الأسقع(5).
وكذلك: حديث عبد الله بن عمرو(6)
ولا يدخل في فضلها.. حديث أبي بن كعب.
الذي ذكر بعضه المفسرون من أمثال: الزمخشري، والبيضاوي.. حيث قالوا: "عن النبي صلى الله عليه وسلم، من قرأ حم السجدة: أعطاه الله تعالى بكل حرف، عشر حسنات"
إذ هو: حديث موضوع لا يعتد به.(7)
سابعاً : صلة السورة بما قبلها
ومناسبتها لما قبلها
1- أنهما اشتركتا في تهديد قريش وتقريعهم،
فقد توعدهم المولى في السورة السابقة بقوله: { أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ...} [الآية 21]
وهددهم هنا بقوله: { فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} [الآية 13]
2- إن كلتيهما بدئت بوصف الكتاب الكريم.
ثامناً : هدف السورة
تفصيل الطريق إلى تقوى الله تعالى.
وذلك: بالأمر بالعبادة ونفي الشرك.
وتم تفصيل ذلك في السورة: بعرض موقف الكفار من الكتاب، والرسول، وتوحيد الله تعالى، وقضية البعث، والملائكة، والقضاء والقدر.
وبناءً على هذا العرض: تتم الدعوة إلى ما يقابله، من الإيمان بهذه الأصول.
بل يترتب على ذلك: الدعوة إلى التوحيد والعبادة، والتقوى، والاستقامة.
{ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ} [الآية 6]
وكذلك(9):
الإعلام بأن العلم: إنما هو ما اختاره المحيط بكل شيء ـ قدرة وعلماً ـ من علمه بعباده؛ فشرعه لهم، فجاءتهم به عنه رسله.
وذلك العلم: هو الحامل على الإيمان بالله،والاستقامة على طاعته، المقترن بهما.
فتكون عاقبته: الكشف الكلي.. حين يكون سبحانه.. سمع العالم الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها.. الخ الحديث القدسي، الذي معناه: أنه يوفقه سبحانه، فلا يفعل إلا ما يرضيه.
تاسعاً : تقسيم آيات السورة موضوعيا
تتكون هذه السورة من مقدمة، وخمسة أقسام.(10)
المقدمة.. عبارة عن (5) آيات.
من الآية (1) حتى نهاية الآية (5)
وفيها: عرض الكتاب، مع بيان بعض خصائصه، وموقف الكفار منه، ومن الرسول صلى الله عليه وسلم.
والقسم الأول.. عبارة عن (7) آيات
من الآية (6) حتى نهاية الآية (12)
وفيه: تقديم الدعوى بعرض المبادئ الأساسية لهذا الدين.
ثم... إقامة الدليل على صحة هذه الدعوى، وضرورة الإيمان، بها، ومن ثمّ الالتزام بمبادئها.
والقسم الثاني.. عبارة عن (17) آيات.
من الآية (13) حتى نهاية الآية (29).
وفيه: إنذار الكفار، وتهديدهم.. عن طريق التذكير بمصارع الغابرين من قبلهم كعاد وثمود.
وكذلك: تخويفهم بيوم القيامة وأهواله،
ثم.. بيان لسبب إعراضهم، وتهديهم بذكر عقابهم الذي ينتظرهم.
والقسم الثالث.. عبارة عن (7) آيات
من الآية (30) حتى نهاية الآية (36)
وفيه: حديث عن الهداة المهتدين، الذين آمنوا واستقاموا، مع بيان جزائهم ومنزلتهم، في مقابلة الفريق الضال المعاند.
والقسم الرابع.. عبارة عن (9) آيات
من الآية (37) حتى نهاية الآية (45)
وفيه: حديث مع النبي صلى الله عليه وسلم عن الكفار وطبيعتهم، مع عرض لبعض الآيات المنظورة، والآيات المسطورة، وإنكار الكفار لها، وعدم إيمانهم بها، والرد عليهم.
وبيان أن القرآن هدى وشفاء لمن آمن به، وعمى ووقر في آذان من لم يؤمن به.
والقسم الخامس.. عبارة عن (9) آيات
من الآية (45) حتى نهاية الآية (54) وهي خاتمة السورة.
وفيه:
بيان إحاطة علم الله تعالى بكل شيء، صغير أو كبير.
وتوضيح أن كل إنسان له ما قدم من خير أو شر.
مع إكمال الرد على الكفار في عنادهم لمحمد صلى الله عليه وسلم ودعواه.
عاشراً : أبرز موضوعات السورة
ومجمل ما اشتملت عليه هذه السورة الكريمة هو
1- وصف الكتاب الكريم.
2- إعراض المشركين عن تدبره.
3- جزاء الكافرين وجزاء المؤمنين.
4- إقامة الأدلة على الوحدانية.
5- إنذار المشركين بأنه سيحل بهم ما حل بالأمم قبلهم.
6- شهادة الأعضاء عند الحشر على أربابها.
7- ما يفعله قرناء السوء من التضليل والصد عن سبيل الله.
8- ما كان يفعله المشركون حين سماع القرآن.
9- طلب المشركين إهانة من أضلوهم انتقاماً منهم.
10- ما يلقاه المؤمنون من الكرامة يوم العرض والحساب.
11- إعادة الأدلة على الوحدانية.
12- القرآن هداية ورحمة.
13- إحاطة علم الله وعظيم قدرته.
14- من طبع الإنسان التكبر عند الرخاء والتضرع وقت الشدة.
15- آيات الله في الآفاق والأنفس الدالة على وحدانيته وقدرته.
16- شك المشركين في البعث والنشور ثم الرد عليهم.
حادى عشر : بعض الدروس المستفادة
الدرس الأول: بيان القرآن لمواقفهم، وتوضيح الرد الحاسم لها.
فهذه مواقفهم:
1- (من القرآن)
قالوا { لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [الآية 26].
2- (من الرسول)
قالوا {قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ} [الآية 5]
3- (من توحيد الله تعالى)
يقول القرآن { وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا} [الآية 9]
4- (من قضية البعث)
يقول قائلهم { وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً} [الآية 50]
5- (من الملائكة)
{ قَالُوا لَوْ شَاء رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} [الآية 14]
6- (عن القضاء والقدر)
يصور القرآن حالهم بقوله تعالى { لَا يَسْأَمُ الْإِنسَانُ مِن دُعَاء الْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُوسٌ قَنُوطٌ} [الآية 49]
وهذا هو الرد عليهم:
1- بالنسبة للقرآن:
يقول تعالى:
1- { كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [الآية 3]
2- { وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [الآيتان 41، 42]
3- { هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} [الآية 44]
2- بالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم
يقول تعالى:
1- { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} [الآية 6]
2- { فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} [الآية 13]
3- بالنسبة لتوحيد الله تعالى
يقول سبحانه:
1- { أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الآية 6]
2- { وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ} [الآية 6]
3- { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ} [الآية 47]
4- بالنسبة لقضية البعث
يقول تعالى:
1- { وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الآيتان 19، 20]
2- { إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ} [الآية 47]
3- { أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَاء رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ} [الآية 54]
5- بالنسبة للملائكة
يقول تعالى:
1- { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ} [الآية 30]
6- بالنسبة للقضاء والقدر
يقول تعالى:
{ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} [الآية 50]
رد القرآن عليهم:
{فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ * ذَلِكَ جَزَاء أَعْدَاء اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاء بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} [الآيتان 28، 29]
{ إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا....}
إلى قوله تعالى { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} [الآيتان 40، 41].
{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُم بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} [الآية 52].
الدرس الثاني
في قوله تعالى: { شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ..} [الآية 20]
قال الرازي: نقل عن ابن عباس أنه قال: المراد من شهادة الجلود شهادة الفروج، وإنه من باب الكنايات كما قال { وَلَكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} [البقرة 235] وأراد النكاح. وقال { أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ} [النساء 43، المائدة 6] والمراد قضاء الحاجة.
فتكون الآية وعيداً شديداً في الزنى.
وقد أشار الإمام ابن الأثير في (المثل السائر) إلى ترجيح هذا المعنى. حيث ذكر هذه الآية في الترجيح الذي يقع بين معنيين، يدل عليهما لفظ واحد، يكون حقيقة في أحدهما، مجازاً في الآخر.
وعبارته: الجلود ههنا تفسّر حقيقة ومجازاً.
أما الحقيقة فيراد بها الجلود مطلقاً،
وأما المجاز فيراد بها الفروج خاصة،وهذا هو المانع البلاغي الذي يرجح جانب المجاز على الحقيقة، لما فيه من لطف الكناية عن المكني عنه.
وأقول(11). مقصود من أثر عنه إرادة الفروج بالجلود: هو إرادة الفرد الأهم والأقوى.
وذلك: لأن الجلود تصدق على ما حواه الجسم من الأعضاء والعضلات التي تكتسب الجريمة.
ولا يخفى أن أهمها بالعناية وأولاها بالإرادة: هو الفروج؛ لأن معصيتها تزيد على الجميع.
وقد عهد في مفسري السلف اقتصارهم في التأويل من العامّ على فرده الأهم. كقصرهم (سبيل الله) على الجهاد، مع أن (سبيل الله) يصدق على كل ما فيه خير وقربة ونفع ومعونة، على الطاعة, إلا أن أهم الجميع هو جهاد الذين يصدون عن الحق, فذكر الجهاد لا ينفي غيره.
وهذه فائدة ينبغي أن يحرص على فهمها كل من له عناية بالتفسير, فإنها من فوائده الجليلة. وينحلّ بها إشكالات ليست بالقليلة، والله الموفق.
الدرس الثالث:
في قوله تعالى:
{ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ} [الآية 22]
أي وما كنتم تستترون عند فعلكم الفواحش والمنكرات، مخافة أو كراهة أن يشهد عليكم ما ذكر، أي ليس استتارهم للخوف مما ذكر، بل من الناس.
وفي الآية تنبيه على أن المؤمن ينبغي أن يتحقق، أنه لا يمر عليه حال إلا وعليه رقيب، كما قال أبو نُواس:
إذا ما خلوت الدهر يوماً، فلا تَقُلْ
خلوتُ, ولكن قل: عليّ رقيب
ولا تحسبنّ الله يغُفُل ساعة
ولا أن ما يَخفَى عليك، يغيبُ
الدرس الرابع
في قوله تعالى:
{ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الآية 33].
أي لا أحد أحسن مقالاً ممن دعا الناس إلى عبادته تعالى، وكان من الصالحين المؤتمرين، والمسلمين وجوههم إليه تعالى في التوحيد.
وفي الآية:
فوائد(11):
الأول ـ قال القاشاني: وإنما قدم الدعوة إلى الحق والتكميل، لكونه أشرف المراتب، ولاستلزامه الكمال العلمي والعمليّ؛ وإلا لما صحت الدعوة.
الثانية ـ في الآية إشارة إلى:
ترغيبه صلى الله عليه وسلم في الإعراض عن المشركين، وعما كانوا يقولونه من اللغو في التنزيل، مما قصه تعالى عنهم فيما تقدم.
وإرشاده إلى المواظبة على التبليغ، والدعوة، ببيان أن ذلك أحسن الطاعات ورأس العبادات.
فهذا هو سر انتظام هذه الآية في إثر ما سبق.
وثمة وجه آخر: وهو أن مراتب السعادات اثنان: كامل أو أكمل.
أما الكامل فهو أن يكتسب من الصفات الفاضلة مالأجلها يصير كاملاً في ذاته.
فإذا فرغ من هذه الدرجة، اشتغل بعدها بتكميل الناقصين.
فقوله تعالى { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [الآية 30] إشارة إلى المرتبة الأولى، وهي اكتساب الأحوال التي تفيد كمال النفس في جوهرها.
فإذا حصل الفراغ من هذه المرتبة، وجب الانتقال إلى المرتبة الثانية، وهي الانتقال بتكميل الناقصين.
وذلك إنما يكون بدعوة الخلق إلى الدين الحق، وهو المراد من قوله تعالى { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا} الآية.
وأعلم أن من آتاه الله قريحة قوية، ونصيباً وافياً من العلوم الإلهية: عرف أنه لا ترتيب أحسن ولا أكمل من ترتيب آيات القرآن.
الثالثة ـ يدخل في الآية
كل من دعا إلى الله تعالى بطريق من الطرق المشروعة، وسبيل من السبل المأثورة؛ لأن الدعوة الصحيحة هي الدعوة النبوية.
ثم ما انتهج منهجها في الصدع بالحق، وإيثاره على الخلق.
الرابعة ـ في الآية دليل على وجوب الدعوة إلى الله تعالى ـ على ما قرره الرازي ـ لأن الدعوة إلى الله أحسن الأعمال. وكل ما كان أحسن الأعمال: فهو واجب.
الخامسة ـ احتج من جوز قول (أنا مسلم) بدون تعليق على المشيئة، بهذه الآية.
وقال: إطلاقها يدل على أن ذلك هو الأولى.
والمسألة معروفة بسطها الغزالي في (الإحياء).
وللإمام ابن حزم في (الفصل) تحقيق لطيف لا بأس بإيراده.
قال رحمه الله: اختلف الناس في قول المسلم (أنا مؤمن)
فروينا عن ابن مسعود وجماعة من أصحابه الأفاضل ومن بعده من الفقهاء، أنه كره ذلك؛ وكان يقول (أنا مؤمن إن شاء الله)
وقال بعضهم: آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله،
وكانوا يقولون: من قال أنا مؤمن، فليقل إنه من أهل الجنة.
ثم قال ابن حزم: والقول عندنا في هذه المسئله.
أن هذه صفة يعلمها المرء من نفسه.
فإن كان يدري أنه مصدق بالله عز وجل، وبمحمد صلى الله عليه وسلم وبكل ما أتى به عليه السالم، وأنه يقر بلسانه بكل ذلك: فواجب عليه أن يعترف بذلك، كما أمر تعالى { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} ولا نعمة أوْكد، ولا أفضل ولا أولى بالشكر، من نعمة الإسلام.
فواجب عليه أن يقول (أنا مؤمن مسلم قطعاً عند الله تعالى، في وقتي هذا) ولا فرق بين قوله (أنا مؤمن مسلم) وبين قوله (أنا أسود وأنا أبيض) وهكذا سائر صفاته التي لا يشك فيها، وليس هذا من باب الإمتداح والتعجب في شيء، لأنه فرض عليه أن يحصن دمه بشهادة التوحيد، قال تعالى {قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة 136]
وقول ابن مسعود عندنا صحيح، لأن الإسلام والإيمان اسمان منقولان عن موضوعهما في اللغة، إلى جميع البر والطاعات،
فإنما منع ابن مسعود من القول بأنه (مسلم مؤمن) على معنى أنه مستوف لجميع الطاعات، وهذا صحيح.
ومن أدعى لنفسه هذا فقد كذب بلا شك.
وما منع رضي الله عنه من أن يقول المرء (إني مؤمن) بمعنى مصدق،
كيف.. وهو يقول (قل آمنت بالله ورسوله) أي صدقت..؟
وأما من قال فقل إنك في الجنة.
فالجواب أننا نقول: إن متنا على ما نحن عليه الآن، فلابد لنا من الجنة بلا شك.
وبرهان ذلك أنه قد صح من نصوص القرآن والسنة والإجماع، أن من آمن بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم وبكل ما جاء به، ولم يأت بما هو كفر: فإنه في الجنة.
إلا أننا لا ندري ما يفعل بنا في الدنيا، ولا نأمن من مكر الله تعالى، ولا إضلاله، ولا كيد الشيطان، ولا ندري ماذا تكسب غدا, ونعوذ بالله من الخذلان.
ثانى عشر : مصادر المفاتيح و هوامش البحث
1- انظر: السخاوي / جمال القراء 1/37
البقاعي / نظم الدرر [تفسير سورة فصلت]
السيوطي / الإتقان [النوع: 17]
الآلوسي / نظم الدرر (بتصرف يسير)
[تفسير سورة فصلت]
2- انظر: البقاعي / روح المعاني [تفسير سورة فصلت]
3- انظر: الألوسي / التبصرة ص319
4- انظر: مكي بن أبي طالب / السخاوي
جمال القراء
1/215
الفيروزابادي / بصائر 1/413
النيسابوري / غرائب القرآن [تفسير سورة فصلت]
الألوسي / روح المعاني [تفسير سورة فصلت]
محمد غوث / نثر المرجان 6/275
5- انظر: الحديث ونصه، وتخريجه.. في مفاتيح سورة البقرة
[بحث فضل السورة]
6- انظر: الحديث.. نصه، وتخريجه.. في مفاتيح سورة غافر
[بحث فضل السورة]
7- انظر: الحديث.. نصه، وتخريجه.. في مفاتيح سورة الفاتحة
[بحث فضل السورة]
8- انظر: المراغي / تفسير المراغي [بحث فضل السورة]
9- انظر: البقاعي / نظم الدرر [بحث فضل السورة]
10- انظر: سعيد حوي / الأساس في التفسير [بحث فضل السورة]
11- انظر: القاسمي / محاسن التأويل [بحث فضل السورة]
بقلم فضيلة الدكتور عبد الحي الفرماوي
رئيس قسم التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر
المصدر : موقع هدى الإسلام.