[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]مفاتيح سورة الأحقاف .
أولاً:اسم السورة
وتسمى هذه السورة:
1- سورة الأحقاف(1)
وذلك: لأن مكان "الأحقاف" من حيث سرعة تأثير ريح العذاب فيه.. كالدليل على إنذاره.
ففيه: إشعار على أن إنذارات القرآن، كالدلائل على أنفسها.
ثم في قصتهم: اتساق الإنذار إلى صيرورة المرجوّ مخوفا.
ففيه- كذلك- إشعار بأن إنذارات القرآن مما يخاف منها.. صيرورة ما يرجوه الجهاد مخوفاً عليهم.(2)
2- سورة "حم الأحقاف".(3)
وذلك: لما أخرجه ابن مردويه، عن ابن عباس وابن الزبير، أنهما قالا نزلت سورة "حم الأحقاف" بمكه.(3)
ولعل ذلك- أيضاً- لأنهما آخر الحواميم، فسميت بذلك إشعارا بانتهاء السور ذوات حم، السبع.
ثانياً : عدد آيات السورة و كلماتها و حروفها
عدد آياتها:(4) (35) خمس وثلاثون آيه.
ثالثاً : ترتيب السورة فى المصحف و فى النزول
أ- في المصحف.. بعد: سورة "الجاثية"، وقبل: سورة "محمد"
ب- في النزول.. بعد سورة "الجاثية"، وقبل: سورة "الذاريات"
رابعاً : سبب نزول السورة
لم نقف على آثار تفيد سبب نزول هذه السورة كاملة.
ولكن.. يوجد فيها آيات كريمة لها سبب نزول، ولسنا هنا بصدد بيان ذلك.
خامساً : مكية السورة و مدنيتها
هذه السورة: مكية.
غير قوله تعالى (قل أرأيتم إن كان من عند الله..)[الآية10]
فقد قال بعض العلماء: إنها مدنية.
وقوله تعالى (ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً..)[الآيات15-18]
فقد قال بعض آخر منهم: إنها مدنية
وقوله تعالى (فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل..)[الآية35]
فقد قال بعض ثالث: إنها مدنية.
سادساً : فضل السورة
انظر في ذلك: فضل سورة الشورى.
سابعاً : صلة السورة بما قبلها
1- لما ختم الله تعالى سورة "الجاثية" التي قبلها، بذكر التوحيد، وذم أهل الشرك: افتتح هذه.. بذكر التوحيد، ثم بالتوبيخ لأهل الكفر من العبيد.(5)
ثامناً : هدف السورة
تهدف هذه السورة إلى: علاج قضايا العقيدة، مثلها في ذلك مثل جميع السور المكية.
حيث جاء فيها الحديث المفصل عن:
الإيمان بوحدانية الله.
والإيمان بالوحي والرسالة.
والإيمان بالبعث والحساب.
وبالتالي: مناقشة من يعبد غير الله تعالى.
إلى غير ذلك من الأهداف المكية.
تاسعاً : تقسيم آيات السورة موضوعيا
تتكون هذه السورة من: مقدمة، وقسمين:(6)
المقدمة.. عبارة عن (3) آيات.
من الآية الأولى.. حتى نهاية الآية.(3)
وفيها:
بيان: أن القرآن منزل من عند الله العزيز الحكيم، الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما بالحق ولغاية وأجل محدد.
والتعرض لإعراض الكفار عن الإيمان به
والقسم الأول.. عبارة عن (17) آية
من الآية (4) حتى نهاية الآية(20)
وفيه:
مناقشة الذين يعبدون غير الله.
ثم مناقشة الذين لا يؤمنون بالقرآن.
وكذلك: التبشير، الإنذار، والوعظ، والتذكير.
وبعد ذلك: الحديث عن الفاسقين.
ويلاحظ أن هذا القسم: يبدأ بالأمر المباشر للنبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى (قل أرأيتم)[الآية4]
وينتهي بالحديث عن الفاسقين، في قوله تعالى(.. وبما كنتم تفسقون)[الآية:20]
القسم الثاني.. عبارة عن (15) آية
من الآية (21) حتى نهاية الآية (35) وهي خاتمة السورة
وفيه:
التذكير: بقوم عاد، والتخويف من أن يصيب الكافرين ما أصابهم، مما يشير إلى أن هؤلاء أولى بهم أن يسارعوا إلى الإيمان.
الحديث عن: إيمان نفر من الجن بمجرد سماعهم القرآن، مما يشير إلى أن هؤلاء أولى أن يؤمنوا.
إقامة الحجة على الكفار في موضوع اليوم الآخر، وتخويفهم -في ذات الوقت- بالنار.
والأمر للنبي صلى الله عليه وسلم بالجنة.
ويلاحظ أن هذا القسم –مثل القسم السابق- يبدأ بالأمر المباشر للنبي صلى الله عليه وسلم، في قوله تعالى (واذكر أخا عادً)[الآية21].
وينتهي بالحديث عن الفاسقين، في قوله تعالى (..فهل يهلك إلا القوم الفاسقون)؟[الآية35].
ويقول الأستاذ سعيد حوى، في التعليق على هاتين الملحوظتين:
فالقول –وهو المصدر به القسم الأول– فيه الحجة العقلية.
والتذكير –وهو المصدر به القسم الثاني- فيه: الإثارة العاطفية.
والصبر –وهو الذي انتهت به السورة- لابد منه لقطف ثمرات الأجر.
عاشراً : أبرز موضوعات السورة
خلاصة ما اشتملت عليه هذه السورة الكريمة
(1) إقامة الأدلة على التوحيد والرد على عبدة الأصنام والأوثان.
(2) المعارضات التي ابتدعها المشركون للنبوة والإجابة عنها وبيان فسادها
(3) ذكر حال أهل الاستقامة الذين وحدوا الله وصدقوا أنبياءه، وبيان أن جزاءهم الجنة.
(4) ذكر وصايا للمؤمنين من إكرام الوالدين وعمل ما يرضى الله.
(5) بيان حال من انهمكوا في الدنيا ولذاتها.
(6) قصص عاد، وفيه بيان أ، صرف النعم في غير وجهها يورث الهلاك.
(7) استماع الجن للرسول صلى الله عليه وسلم وتبليغهم قومهم ما سمعوه.
(
عظة للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين من أمته.
(9) بيان أن القرآن فيه البلاغ والكفاية في الإنذار.
(10) من عدل الله ورحمته ألا يعذب إلا من خرج من طاعته ولم يعمل بأمره ونهيه.
1- عند قوله تعالى (ومن أضل ممن يدعوا نم دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون)[الآية5].
يقول صاحب الظلال
وإذا كان القرآن يندد بضلال من يدعون من دون الله آلهة لا يستجيبون لهم إلى يوم القيامة..!!
وكان هذا يعني: المعبودات التاريخية، التي عرفتها الجماعات البشرية عند نزول هذا القرآن..!!
فان النص: أوسع مدلولا، وأطول أمدا، من ذلك الواقع التاريخي.
فمن أضل ممن يدعو من دون الله أحدا في أي زمان، وفي أي مكان..؟
وكل أحد –كائنا من كان-: لا يستجيب بشئ لن يدعوه، ولا يملك أن يدعوه.
وليس هناك إلا الله: فعال لما يريد.
إن الشرك: ليس مقصوراً على الصورة الساذجة التي عرفها المشركون القدامى.
فكم من مشركين: يشركون مع الله ذوي سلطان، أو ذوي جاه، أو ذوى مال.. ويرجون فيهم، ويتوجهون إليهم: بالدعاء، وبالرجاء..!!
وكل: ذوي السلطان، وذوي الجاه، وذوي المال: أعجز من أن يستجيبوا لدعاتهم استجابة حقيقية.
وكلهم: لا يملكون لأنفسهم نفعا، ولا ضرا.
ودعاؤهم: شرك.
والرجاء فيهم: شرك.
والخوف منهم: شرك.
ولكنه: شرك خفي، يزاوله الكثيرون وهم لا يشعرون.
2-عند قوله تعالى(وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن...)[الآيات29-32]
يقول صاحب محاسن التاوإيل(9)
هنا عدة تنبيهات:
التنبيه الأول:
روي الإمام مسلم(10) عن علقمة.
قال: سألت ابن مسعود رضي الله عنه: هل شهد أحد منكم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟
قال: لا، ولكنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليله ففقدناه، فالتمسناه في الأودية والشعاب، فقيل: استطير، اغتيل!
قال: فبتنا بشرِّ ليلة بات بها قوم.
فلما أصبحنا إذا هو جاء من قِبَل حِراءَ.
قال: فقلنا: يا رسول الله! فقدناك فطلبناك فلم نجدك, فبتنا بشرّ ليلة بات بها قوم.
فقال: أتاني داعي الجن, فذهبت معهم, فقرأت عليهم القرآن.
قال, فانطَلَقَ بنا, فأرانا آثارهم.
وروى الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما.
قال: كان الجن يستمعون الوحي, فيسمعون الكلمة, فيزيدون فيها عشراً, فيكون ما سمعوا حقاَّ, وما زادوا باطلاً, وكانت النجوم لا يُرمى بها قبل ذلك, فلما بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحدهم لا يأتي مقعده إلا رُمي بشهاب يحرق ما أصاب، فشكوا ذلك إلى إبليس، فقال: ما هذا إلا من أمر قد حدث, فبثّ جنوده, فإذا بالنبيّ صلى الله عليه وسلم يصلّى بين جبلي نخلة, فأتوه فأخبروه، فقال: هذا الحدث الذي حدث في الأرض.(11)
وهكذا قال الحسن البصري: إنه صلى الله عليه وسلم ما شعر بأمرهم حتى أنزل الله تعالى عليه بخبرهم.
وذكر محمد بن إسحاق عن محمد بن كعب القرظّى قصة خروج النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى الطائف،ودعائه إياهم إلى الله عز وجل, وإبائهم عليه, فذكر القصةبطولها.
ثم قال: فلما انصرف عنهم, بات بنخلة, فقرأ تلك الليلة من القرآن, فاستمعته الجن من أهل نصيبين.
قال ابن كثير: وهذا صحيح، ولكن قوله (إن الجن كان استماعهم تلك الليلة) فيه نظر.
فإن الجن كان استماعهم في ابتداء الإيحاء, كما دلّ عليه حديث ابن عباس رضي الله عنهما المذكور، وخروجُه صلى الله عليه وسلم إلى الطائف كان بعد موت عمه، وذلك قبل الهجرة بسنة أو سنتين، كما قرره ابن إسحاق وغيره.
وروى ابن أبى شيبة عن ابن مسعود قال: هبطوا على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ القرآن ببطن نخلة، فلما سمعوه قالوا: أنصتوا، فأنزل الله عز وجل عليه (وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن...)[الآية29].
قال ابن كثير: فهذا مع الأول من رواية ابن عباس رضي الله عنهما، يقتضى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشعر بحضورهم في هذه المرة, وإنما استمعوا قراءته، ثم رجعوا إلى قومهم، ثم بعد ذلك وفدوا إليه أرسالاً: قوماً بعد قوم، وفوجاً بعد فوج.
فأما ما رواه البخاريّ ومسلم(12)جميعاً عن معن بن عبد الرحمن.
قال: سمعت أبى يقول: سألت مسروقاً: من آذن النبيّ صلى الله عليه وسلم ليلة استمعوا القرآن؟.
فقال: حدثني أبوك- يعني ابن مسعود رضى الله عنه –أنه آذنته بهم شجرة.
فيحتمل أ، يكون في الأولى ولكن لم يشعر بهم حال استماعهم حتى آذنته بهم الشجرة، أي أعلمته باجتماعهم.
ويحتمل أن يكون هذا في بعض المرات المتأخرات والله أعلم.
قال الحافظ البيهقيّ: وهذا الذي حكاه ابن عباس رضي الله عنهما إنما هو أول ما سمعت الجن قراءة رسول الله صلى الله علية وسلم، وعلمت حاله، وفي ذلك الوقت لم يقرأ عليهم، ولم يرهم، ثم بعد ذلك أتاه داعي الجن، فقرأ، عليهم القرآن، ودعاهم إلى الله عز وجل –كما رواه ابن مسعود رضي الله عنه.
ثم قال ابن كثير: وأما ابن مسعود رضي الله عنه، فإنه لم يكن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حال مخاطبته للجن، ودعائه إياهم، وإنما كان بعيداً منه، ولم يخرج مع النبيّ صلى الله عليه وسلم أحد سواه، ومع هذا، لم يشهد حال المخاطبة. هذه طريقة البيهقيّ.
وقد يحتمل أن يكون أول مرة خرج إليهم، لم يكن معه صلى الله عليه وسلم ابن مسعود ولا غيره، كما هو ظاهر سياق الرواية الأولى من طريق الإمام مسلم، ثم بعد ذلك خرج معه ليلة أخرى –والله أعلم- كما روى ابن أبي حاتم في تفسير(قل أوحي إلى) من حديث ابن جريج قال: قال عبد العزيز بن عمر: أما الجن الذين لقوه بنخلة فجنّ نينوى، وأما الجن الذين لقوه بمكة، فجن نصيبين.
وتأوّل البيهقى قوله(فبتنا بشرّ ليلة) على غير ابن مسعود، ممن لم يعلم بخروجه صلى الله عليه وسلم إلى الجن، وهو محتمل، على بُعْدٍ.
وبالجملة، فقد روى ما يدل على تكرار ذلك.
وقد روى عن ابن عباس غير ما روى عنه أولاً من وجه جّيد عند ابن جرير(13)في هذه الآية, قال: كانوا سبعة نفر من أهل نصيبين، فجعلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم رسلاً إلى قومهم، فهذا يدلّ على أنه قد روى القصتين.
وذكر أبو حمزة الثمالىّ أن هذا الحيّ من الجن كانوا أكثر الجن عدداً، وأشرفهم نسباً.
وعن ابن مسعود أنهم كانوا تسعة.
ويروى أنهم كانوا خمسة عشر.
وروى ستين.
وروى ثلاثمائة.
وعن عكرمة أنهم كانوا اثني عشر ألفاً.
قال ابن كثير: فلعل هذا الاختلاف دليل على تكرر وفادتهم عليه صلى الله عليه وسلم، ومما يدلّ على ذلك ما رواه البخاريّ في صحيحة(14)
أن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال: ما سمعت عمر رضى الله عنه لشئ قط يقول: إني لأظنه هكذا، إلا كان كما يظن.
بينما عمر بن الخطاب جالس، إذ مرّ به رجل جميل.
فقال: لقد أخطأ ظني، أو إن هذا على دينه في الجاهلية، أو لقد كان كاهنهم، علىّ الرجلَ.
فدعي له.
فقال له ذلك.
فقال: ما رأيت كاليوم استقبل به رجل مسلم.
قال: فإني أعزم عليك إلا ما أخبرتني!.
قال كنت كاهنَهم في الجاهلية.
قال: فما أعجب ما جاءتك به جنيتك؟.
قال: بينما أنا يوما ًفي السوق، جاءتني أعرف فيها الفزع، فقالت: ألم تر الجن وإبلاسها ويأسها من بعد إنكاسها، ولحوقها بالقلاص وأحلاسها؟.
قال عمر: صدق! بينما أنا نائم عند آلهتهم، إذ جاء رجل بعجل فذبحه، فصرخ به صارخ، لم أسمع صارخاً قط أشد صوتاً منه، يقول: يا جليح! أمر نجيح، رجل فصيح، يقول: لا إله إلا الله.
قال، فوثب القوم.
فقلت: لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا.
ثم نادى: يا جليح! أمر نجيح، رجل فصيح، يقول: لا إله إلا الله.
فقمت.
فما نشبنا أن قيل: هذا نبيّ.
هذا سياق البخاريّ.
وقد رواه البيهقىّ من حديث ابن وهب بنحوه، ثم قال: وظاهر هذه الرواية يوهم أن عمر رضي الله عنه بنفسه سمع الصارخ يصرخ من العجل الذي ذبح.
حادى عشر : بعض الدروس المستفادة
ثانى عشر : مصادر المفاتيح و هوامش البحث
1 - انظر : السخاوي جمال القراء 1/37
الفيروزبادي بصائرذوي التمييز 1/428
القاسمي محاسن التأويل (تفسير الأحقاف)
2 - القاسمي محاسن التأويل (تفسير الأحقاف)
3 - الشوكاني فتح القدير (تفسير الأحقاف)
4 - مكي بن أبي طالب التبصرة ص 328
السخاوي جمال القراء 1/217
الفيروزبادي بصائرذوي التمييز
الآلوسي روح المعاني (تفسير الأحقاف)
محمد غوث نثر المرجان 6/525
5 - الآلوسي روح المعاني (تفسير الأحقاف)
6 - سعيد حوى الأساس (تفسير الأحقاف)
7 - المراغي تفسير المراغي (تفسير الأحقاف)
8 - الشهيدسيد قطب في ظلال القرآن (تفسير الأحقاف)
9 - القاسمي محاسن التأويل (تفسير الأحقاف)
10 - في صحيحه كتاب : الصلاة
11 - ورواه : الترمذي ، والنسائي .. في السنن _ كتاب التفسير ، (تفسير سورة الجن)
12 - البخاري.. كتاب : مناقب الأنصار، باب: ذكر الجن ..إلخ
ومسلم .. كتاب الصلاة.
13 - الطبري جامع البيان (تفسير سورة الأحقاف)
14 - كتاب : مناقب الأنصار، باب: إسلام عمر بن الخطاب.
بقلم فضيلة الدكتور عبد الحي الفرماوي
رئيس قسم التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر
المصدر : موقع هدى الإسلام.